الحوثيون يفرضون حصارًا جويًا على إسرائيل- تصعيد يهدد أمن المنطقة

المؤلف: جيرار ديب09.04.2025
الحوثيون يفرضون حصارًا جويًا على إسرائيل- تصعيد يهدد أمن المنطقة

أعلنت جماعة أنصار الله الحوثية في بيان رسمي يوم الأحد الموافق 4 مايو/أيار، عزمها على فرض "حصار جوي شامل" على إسرائيل، وذلك من خلال استهداف متواصل ودؤوب لمطاراتها.

وفي سياق متصل، صرح الناطق العسكري باسم الجماعة، يحيى سريع، قائلاً: "ندعو كافة شركات الطيران العالمية إلى إلغاء جميع رحلاتها المتجهة إلى إسرائيل، حرصًا على سلامة طائراتها ومسافريها الكرام".

وقد شهد يوم الأحد الموافق 4 مايو/أيار تطورات متسارعة ومفاجئة، كان أبرزها إطلاق صاروخ باليستي من قبل حركة أنصار الله في اليمن، والذي تمكن من اختراق أربع طبقات من الدفاعات الجوية في تل أبيب، وسقط في محيط مطار بن غوريون. وعلى إثر ذلك، أعلنت العديد من شركات الطيران الأجنبية تعليق رحلاتها الجوية إلى إسرائيل، حسبما أفادت قناة 12 العبرية.

أثار هذا الصاروخ حفيظة وغضب القيادة الإسرائيلية، حيث هدد وزير الحرب الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، بالرد "بسبعة أضعاف" على سقوط الصاروخ القادم من اليمن بالقرب من مطار بن غوريون. وفي المقابل، دعا زعيم حزب الوحدة الوطنية في إسرائيل، بيني غانتس، إلى شن هجوم عنيف على طهران، ردًا على إطلاق هذا الصاروخ.

تجدر الإشارة إلى أن هذا ليس الاعتداء الأول من قبل الحوثيين، فقد بدأت الهجمات اليمنية على إسرائيل في 15 سبتمبر/أيلول من عام 2024، تحت شعار نصرة الشعب الفلسطيني في ظل الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة في قطاع غزة.

إلا أن هذا الصاروخ الباليستي يشكل تحديًا صريحًا وواضحًا للتصعيد الذي أعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يوم الخميس الموافق 1 مايو/أيار، عندما أعطى الضوء الأخضر لجيشه لتوسيع نطاق العمليات العسكرية داخل قطاع غزة.

لا شك أن هذا الصاروخ يحمل في طياته العديد من الرسائل الهامة، وفي اتجاهات متعددة، مما يدفعنا إلى القول بأن "ما بعد صاروخ بن غوريون ليس كما قبله".

وبعيدًا عن التهديدات التي أطلقها الوزير كاتس، وردود الأفعال المتوالية داخل إسرائيل، فإن هذا الصاروخ الباليستي يحمل في مضمونه رسائل تتجاوز الأهداف المعلنة للحوثيين في الدفاع عن فلسطين، حيث تمكنت الضربة من اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية والأميركية على حد سواء، وإصابة الهدف بدقة متناهية.

وتزامن ذلك مع إعلان طهران، يوم الأحد أيضًا، عن صاروخها الباليستي الجديد، والذي أكدت أنه يتجاوز أنظمة الدفاعات الجوية المضادة للصواريخ. فهل هو نفس الصاروخ الذي أطلقه الحوثيون على مطار بن غوريون؟

هذا التطور الكبير الذي شهده يوم الأحد يثير تساؤلات جوهرية حول مصداقية البيانات الصادرة عن القوات الأميركية المتمركزة في المنطقة عبر حاملات طائراتها، وجدوى الضربات الجوية التي تنفذها على اليمن منذ أكثر من شهر.

إن صاروخ بن غوريون كشف للرأي العام الإسرائيلي والأميركي والعربي زيف التقارير التي تصدرها القيادة الأميركية، والتي تؤكد دائمًا عدم إصابة الصواريخ اليمنية لحاملات طائراتها، على الرغم من الاستهدافات الحوثية شبه اليومية لها.

ومن يدري، فربما تكون الطائرة الأميركية من طراز "إف-18" سوبر هورنت، التي أُعلن عن سقوطها في البحر الأحمر يوم الاثنين الموافق 28 أبريل/نيسان الماضي، والتابعة لحاملة الطائرات "يو.إس.إس هاري ترومان"، قد سقطت بصاروخ حوثي؟

بعد صاروخ بن غوريون، لم يعد هناك مستحيل، على الرغم من التهديدات العالية النبرة التي أطلقها المسؤولون الإسرائيليون، مما يؤكد عدم جدوى الضربات الأميركية التي لم تتمكن حتى الآن من ردع الحوثيين عن دعم فلسطين.

لكن ما يستحق الوقوف عنده هو تصريح بيني غانتس، الذي دعا فيه إلى الرد بقوة، ولكن هذه المرة على طهران. فمما لا شك فيه أن جماعة الحوثيين، على الرغم من استقلاليتها في اتخاذ القرار، إلا أنها ترتبط تدريبيًا وتمويليًا وتسليحيًا بإيران، وهو ما أكده العديد من المسؤولين الإيرانيين والحوثيين على حد سواء.

ولهذا، اعتبر غانتس أن توجيه ضربات للحوثيين لن يكون مجديًا، خاصة في ظل عدم وجود عملية برية مدروسة في اليمن من قبل التحالف الأميركي، إضافة إلى الرفض العربي للمشاركة في مثل هذه المغامرة.

لقد ذهب غانتس إلى صلب الموضوع مباشرة، وتحديدًا إلى المفاوضات الأميركية الإيرانية حول الملف النووي، والتي أبدت إسرائيل معارضتها الشديدة لها في أكثر من مناسبة وعلى لسان نتنياهو.

فهو من أنصار توجيه ضربة قاصمة إلى طهران، لا تستهدف مشروعها النووي فحسب، بل تستهدف أيضًا قدراتها التمويلية للحركات الممانعة في المنطقة، وعلى رأسها حركة أنصار الله.

ترى إسرائيل أن هذه المفاوضات لا طائل منها، فالوقت يصب في صالح إيران التي لا تزال تدفع بالأسلحة إلى اليمن، مما يؤكد الحاجة الملحة لتوجيه ضربة للنظام في طهران.

لكن للإدارة الأميركية حسابات مختلفة لا تقتصر على الرؤية الإسرائيلية، بل تركز على ما تعتبره أساسيًا في المنطقة، وهو إرساء سياسة "التوازنات"، على أن تكون إيران إحدى هذه القوى الوازنة. فالتقارير الأميركية تشير إلى أن إضعاف إيران سيعزز من الحضور التركي في المنطقة، وما يحدث في سوريا خير مثال على ذلك.

أصبح النقاش حول توجيه ضربات إلى إيران أكثر تعقيدًا، خاصة بعد إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن توقيع اتفاقية الشراكة الكاملة على الصعيدين الاقتصادي والعسكري، والتي أصبحت سارية المفعول لمدة 20 عامًا.

وقد أدى ذلك إلى تعقيد التحرك نحو حرب مباشرة مع إيران، ودفع بروسيا إلى السعي لتحسين شروط تفاوضها مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يسعى جاهدًا لوقف الحرب في أوكرانيا.

يجب ألا نركز فقط على الحفرة التي أحدثها الصاروخ بعمق 25 مترًا، أو على التعطيل المؤقت لحركة الملاحة الجوية الإسرائيلية، بل يجب أن ننظر إلى ما يحمله من دلالات حول قدرة اليمن على فرض حصار بحري، واليوم جوي حقيقي على إسرائيل، وهو ما قد يدفع نتنياهو إلى التفكير مليًا، ليس في الرد، بل في الرضوخ لتمرير المساعدات الإنسانية والطبية إلى القطاع المحاصر منذ أشهر.

لا تجدي التهديدات الأميركية ولا الإسرائيلية تجاه اليمن، فالطبيعة المعقدة لليمن بتضاريسها الجبلية الوعرة تعيق مهمة تنفيذ الغارات. ويبدو أن الحوثيين قد نشروا منظوماتهم الصاروخية في مناطق متعددة، مما يصعب على الطائرات ضربها، كما أن لديهم منظومات صاروخية باليستية غير تقليدية قادرة على اختراق الدفاعات الجوية وإصابة أهدافها.

لهذا، يرى العديد من المراقبين أن الضربات الجوية، مهما اشتدت وأصابت من مصاف وموانئ ومطارات وغيرها، فإنها لا تحمل قدرة ردعية للقصف الصاروخي الذي سيستمر من قبل الحوثيين، وهذا يعود إلى طبيعة الحوثيين واستعدادهم لحرب طويلة في المنطقة، ولن يتم ردعهم إلا من خلال التوصل إلى تسويات في غزة تعيد الغزيين إلى ديارهم.

إن إعلان الحوثيين عن فرض "حظر جوي شامل" على إسرائيل يمثل تصعيدًا خطيرًا يهدف إلى الضغط على إسرائيل لوقف عملياتها في غزة، من خلال تهديد أمنها الجوي وتعطيل حركة الملاحة الجوية. وهذا التطور ينذر بتوسيع دائرة الصراع وفتح جبهات جديدة، مما يستدعي تحركات دبلوماسية حثيثة لاحتواء هذا التصعيد الخطير.

لا تملك إسرائيل الكثير من الخيارات العسكرية، سوى توجيه الضربات الجوية، على غرار ما تفعله الولايات المتحدة الآن، لوقف إطلاق الصواريخ من اليمن. لكنها تواجه حلاً وحيدًا، وهو القبول بشروط التفاوض، مهما طال أمد الحرب، بدلاً من الانخراط في جدالات إعلامية لا جدوى منها مع الدول الحريصة على إبرام التسويات لمصلحة الجميع، وعلى رأسها دولة قطر.

لهذا، فإن رد "السبعة أضعاف" أو الرد "العنيف" على طهران لن يحقق الأهداف المرجوة، بل إن الذهاب إلى تسويات وتقديم التنازلات من قبل حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية هو السبيل الوحيد لحماية إسرائيل من الصواريخ الحوثية، وربما غيرها في المستقبل القريب.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة